Desertification in Iraq

التصحر في العراق بين التغيُّر المُناخي والتحديات الاجتماعية والاقتصادية

يُعد التصحر من أخطر المشكلات البيئية التي تواجه العراق، إذ تؤثر بشكل مباشر على حياة السكان والاقتصاد الوطني وتتجلى هذه الظاهرة في تحول الأراضي الزراعية الخصبة إلى مساحات قاحلة غير منتجة مما يعكس أزمة بيئية عميقة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية خطيرة، ووفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر لعام 1993 يُعرف التصحر بأنه التدهور الذي يصيب الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة وشبه الرطبة مما يؤدي إلى تآكل التربة وتراجع الغطاء النباتي وانخفاض القدرة الإنتاجية للأراضي.

وتتعدد العوامل التي أدت إلى تفاقم مشكلة التصحر في العراق وتندرج ضمن قسمين رئيسيين وهما العوامل الطبيعية والعوامل البشرية.

العوامل الطبيعية تشمل المُناخ الجاف الذي يغطي حوالي 90% من مساحة العراق، حيث تسود درجات حرارة مرتفعة خلال فصل الصيف وقد تتجاوز أحياناً 50 درجة مئوية، كما تسجل معدلات هطول الأمطار انخفاضاً واضحاً إذ تتراوح بين 5 و15 سم سنوياً مما لا يكفي لتعزيز نمو النباتات أو تجديد مخزون المياه الجوفية.

هذا بالإضافة إلى الرياح الشمالية الغربية الجافة التي تؤدي إلى انتشار الغبار والعواصف الرملية ما يفاقم من تدهور الأراضي.

أما العوامل البشرية فهي تلعب دوراً لا يقل خطورة عن العوامل الطبيعية حيث تساهم الأنشطة غير المستدامة للإنسان في تعجيل ظهور التصحر ويُعد الرعي الجائر واحداً من أهم الأسباب حيث يؤدي الضغط المستمر على المراعي إلى تآكل الغطاء النباتي وفقدان التربة لعناصرها المغذية كما أن إزالة الأشجار بشكل غير منظم بهدف التوسع العمراني أو استخدام الأخشاب يساهم في تفاقم المشكلة إلى جانب سوء استخدام المواد الكيميائية في الزراعة ما يضعف التربة ويقلل من خصوبتها وكذلك ساهمت أنشطة التعدين والحفر غير المدروسة في تدهور التربة واستنزاف مواردها بالإضافة إلى الفقر والهجرة الداخلية التي دفعت سكان الأرياف إلى الانتقال للمدن بحثاً عن فرص عمل مما أدى إلى إهمال الأراضي الزراعية.

تشير الإحصائيات إلى أن العراق يعاني من معدلات تصحر مرتفعة إذ تغطي هذه الظاهرة نحو 69.8% من مساحة البلاد وهي نسبة مقلقة مقارنة بالدول المجاورة مثل تركيا ولبنان وسوريا. ويعود ذلك إلى تداخل العوامل الطبيعية والبشرية حيث أن المساحات الخضراء شهدت تراجعاً ملحوظاً خلال العقود الأخيرة فعلى سبيل المثال تقلصت مساحة الغابات من 1.851 مليون هكتار عام 1970 إلى 1.5 مليون هكتار عام 1978، لتصل إلى 1.1% فقط من إجمالي مساحة العراق.

للتصحر انعكاسات واضحة على حياة الأفراد والمجتمع حيث يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي مما يهدد الأمن الغذائي للبلاد ومع فقدان الأراضي لخصوبتها يضطر العديد من المزارعين والرعاة إلى ترك أراضيهم ما يزيد من موجات الهجرة من الريف إلى المدن التي بدورها تعاني من ضعف البنى التحتية ونقص الخدمات الأساسية وتشهد المدن الكبرى ارتفاعاً في معدلات البطالة والفقر مما يؤدي إلى ظهور تجمعات سكانية عشوائية تفتقر لأبسط مقومات الحياة.

كما أن تدهور الأراضي يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني إذ يؤدي إلى تراجع الصادرات الزراعية وزيادة الاعتماد على الاستيراد ما يرهق الميزانية العامة ويؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية وبذلك يصبح التصحر عاملاً مضاعفاً للتحديات الاجتماعية والاقتصادية مما يعيق التنمية المستدامة.

ولمواجهة هذه الأزمة لا بد من وضع خطط شاملة تهدف إلى الحد من التصحر واستعادة خصوبة الأراضي ومن الضروري أن تتبنى الحكومة سياسات زراعية مستدامة مثل تحسين أساليب الري وترشيد استهلاك المياه واستخدام تقنيات الزراعة الحديثة التي تعزز من قدرة التربة على الاحتفاظ بعناصرها الغذائية كما يجب إطلاق حملات تشجير واسعة لحماية التربة من التآكل وتعزيز الغطاء النباتي.

لا بد أيضاً من تفعيل برامج توعية تستهدف المزارعين والرعاة لتعريفهم بطرق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية وتقليل الاعتماد على الأساليب الزراعية التقليدية التي تضر بالبيئة إضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي من خلال الانضمام لمبادرات مكافحة التصحر وتبادل الخبرات مع الدول التي حققت تقدماً في هذا المجال.

إن التصحر ليس مجرد مشكلة بيئية بل هو تحدٍ تنموي واقتصادي واجتماعي يهدد استقرار العراق ومستقبله لذا فإن العمل على مكافحة هذه الظاهرة يجب أن يكون جزءاً أساسياً من السياسات الوطنية لضمان تحقيق التوازن بين حماية البيئة وتعزيز التنمية ومن خلال تكاتف الجهود يمكن للعراق أن يستعيد أراضيه المتصحرة ويؤسس لمستقبل أكثر خضرة وازدهاراً.

                                       الدكتور الاستشاري

                                   محمد خضر محمد الجبوري

                                     باحث في البيئة والمُناخ

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *